أصيل ( 8 ) ... ياسر عبد القوى
...................................
الأسكندرية .. مدينة
منسية , متروكة باهمال على
ساحل المتوسط . تجتر عصر
الكوزموبوليتانية , تبحث عن
مزيل للرائحة , وتحشو
الأخاديد التى حفرها الزمن
بالمساحيق الرخيصة . تلهى
العابرين بدمية للأسكندر ,
وناطحات السحاب التى تغرس سيقانها فى وحل العشوائيات .
نأسى فى ندواتنا على حال المدينة , وننتقد مظاهر فقر الفكر التى تخيم على
العروس الشائهة . ولعل أول من أطلق عبارة ( كفر الأسكندرية ) هو ياسر عبد
القوى , تعبيرا عما آل اليه حال سيدة المدن فما أن يلمع نجم فى سماء الأسكندرية
حتى تغويه النداهة , فيرحل الى الأضواء والموائد . وكنت أرى ياسر فأتخيله فى
صورة أقرب ماتكون الى صورة الرجل الأخضر لحظة التحول , اذ تتمزق سترته
محررة للطاقة المحبوسة . ولم يمر بالندوة خلال تاريخها من هو أكثر منه اثارة
للجدل . بالضبط كما لو أن عاصفة سيريالية هبت على الندوة . ونادرا مامرت
قصائده أو قصصه مرور الكرام . بل كانت على الدوام مصحوبة بعواصف من
المناقشات مابين الرفض والقبول .
وعلى الرغم من أن السريالية فى ذلك الوقت من بدايات التسعينيات كانت
موضة رائجة , تعثر على نماذج منها فى كل تجمع أدبى , وفى كل اصدارة , الا أن
ياسر عبد القوى كان يتميز بالصدق . فقد كان يدرك أبعاد الاطار الذى يتحرك خلاله
. وكنت تصدقه كمتلقى مهما غصت أعماله بالصور غير المألوفة , والجمل الصادمة
. وقد أحدث التيار السريالى الذى جلبه ياسر الى الندوة نوعا من الحراك الثقافى .
وأزعم أن أفكاره وصوره قد تلاقحت مع سواها حتى لقد كنت ألمح شذرات من آثاره
فى أعمال الأدباء من الأجيال التى تلته .
ولقد جسد ياسر نموذج من المبدعين متعددى المواهب , فبالاضافة الى
مساهماته فى القصة والشعر ,فلقد كان فنانا تشكيليا فريدا ,لم تشبه خطوطه
وتكويناته أحد من سابقيه . ومن البصمات التى تركها ياسر عبد القوى اضافة الى
الروح السريالية التى نفثها فى الندوة , مساهمته فى تصميم أغلفة كتاب أصيل .
فهو صاحب الأغلفة التى حملتها كلا من المجموعة القصصية عش الدبابير , ورواية
الكشر التى أصدرتهما الجماعة ضمن السلسلة . ولربما روضت الأيام بعضا من
جموح ياسر .
الا أنه نفس الفنان المتمرد الذى عرفته . وسيظل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق