الثلاثاء، 21 يونيو 2011


باكورة انجازات الثورة
                                                                                 قصة قصيرة ... محسن الطوخى
.......................                                                

وحياة ربنا لو نزلت المظاهرة مانا قاعدالك فى البيت .
كان هذا البيان الذى أعلنته سوسن بمثابة انذار . ومن يعرف سوسن لا يستخف بانذاراتها . تراقب تحركاتى على الفيس بوك بقليل من الاهتمام . وتشارك أحيانا ببعض التعليقات . لكنها عندما علمت بعزمى على المشاركة , اتخذت موقفا هجوميا لم أتوقعه .
عندما عدت بعد غروب الخامس والعشرين , كنت أرتب فى ذهنى مجموعة الأكاذيب التى أعددتها . بمجرد أن وقعت عيناها على قلت مثيرا دهشتها : خمنى , قابلت مين النهارده فى المظاهرة !
لطمت صدرها وهتفت : يامصيبتى ... نزلت برضه ؟
وضعت سبابتى على فمها : قابلت مين ؟ حزرى ..
ولما لم تجب الا باتساع عينيها قلت : فارس بيه .
خمدت ثورتها , بينما اتسعت الدهشة فى عينيها . رددت كالمأخوذة : فارس بيه ..!  ... ليه ؟
( التقيت به صدفة .. عرفته من ظهره بقامته المديدة , وقوامه النحيف  , والشعرات المشوبة بالبياض على فوديه .. اقتربت منه مدافعا الأجساد , حتى تحققت من شخصيته .. ثم حاولت لفت نظره عندما بدأت الجموع تزحف به بعيدا .. هتفت باسمه .. لكنه ذاب فى الزحام ... )
هتفت سوسن مرة أخرى : فارس بيه ! ...  ليه ؟
قلت : ياحبيبتى , مش كل حاجه فى الدنيا أكل وشرب .
قالت وكأنها تخاطب نفسها : ده راجل مش ناقصه حاجه ... فيلا , وعربيه ... وثلاث كلاب .

.....................

فى اليوم الثامن والعشرين , وسط الجموع الغاضبة , انشغلت بالعثور على فارس بك كأننى صدقت نفسى . تغير موقف سوسن الى النقيض عنما أكدت لها أن فارس بك بشحمه ولحمه قاد مظاهرة اليوم فى المنشية . رددت بينها وبين نفسها : الظاهر بقى الحكايه جد .

...................


عنما أخبرت سوسن فى السنة السابعة لخطبتنا أن فارس بك وعد بتعيينى حارسا لفيلته فى الكنج حال انتهاء فترة تجنيدى , قبلتنى فجعلت من فرجه للمارة . ثم لما أفاقت , ارتبكت , لكنها سألت فى دهشة : مين فارس بيه ده .
وقبل أن أجيب هتفت بحسم : بكره تروح لابويا .
ثم نست الناس الذين كانوا لا يزالون يرمقوننا , وسحبتنى فأجلستنى على السور : قول .. مين فارس بيه .

...................
فى الحادى عشر من فبراير , عنما عدت من رأس التين فى وقت متأخر , مبتهجا , مهتاجا , سألتنى : فارس بيه كان هناك ؟
ولما أكدت لها , وعرضت عليها صورة على الموبايل للجموع لا يظهر فيها أى شخص بوضوح , وأشرت الى نقطة , صرخت : ينصر دينك يافارس بيه .

...................

منحتنى سوسن تلك الليلة ترضية . أعتبرتها باكورة انجازات الثورة .

الجمعة، 17 يونيو 2011


    جليد
................                                             قصة قصيرة ... محسن الطوخى        
                                                                          ..........................


     يربت ظهرها بحنو . تضغط بأسنانها حتى تدمى شفتيها . تود لو تزيح كفه بعيدا , لكنها لاتفعل . تظل راقدة مسلوبة الروح .
- استريحى وسوف نعاود المحاولة .                                                  
تتشمم نبرات صوته . عميقا حانيا . لا أثر لتبرم أو ادانة . كابوس واحد مقطوع بلحظات افاقة . كابوس مستمر بطول عمرها كله . مقدور لها أن يحملها الى القبر . لم يعد ثمة معنى لثوراتها الطفولية النزقة . لو تستطيع أن تكسر شوكة عنادها . خانتها شجاعتها فعجزت عن الاتيان بحركة . مجرد حركة بسيطة فى الفراش . لو تستطيع تلك اليد الميتة أن تتسلل اليه , تتناول السيجارة التى أشعلها , تدسها فى المطفئة , تضمه اليها وتنظر فى عينيه , تبادله نظرة فهم وعرفان
....................

     أدركت أن البيت يستعد لحدث ما . الهمس المتبادل بين الأب والأم , وظهور أم باتعة تفوح من ثيابها رائحة الشيح . ثم نظرات أمها المبهمة اليها , كأنها تقيسها بالأشبار . استسلمت لأنامل النساء من الأقارب والجيران تداعب قمة رأسها , وتلامس صفحة وجهها , وتربت ظهرها . كأنهن اكتشفنها بينهن فجأة . غمرها احساس بحضور جديد . انطلقت تضحك من قلبها , وتلهو , دون أن تعنى بتقصى الأسباب .

....................

      توقفت كفه واستراحت فوق ظهرها . صورة الزفاف معلقة فى صدر الحائط المواجه . لا يظهر منها فى الضوء الوردى الباهت الا تكويناتها الرئيسية , لكنها تراها بوضوح , وتعرف معنى تلك النظرة فى عينيه . الفوز , واللهفة , والترقب . والنظرة فى عينيها مطمئنة , ممزوجة بكبرياء وثقة . ثم أتت سريعا الليالى الكئيبة الموحشة . لم تفلت منه أبدا كلمة تخدش مشاعرها أو تغفل أنوثتها . لكن كل ما كان يتخلق فى قاع عينيه عميقا ساكنا , كانت قادرة على فك شفرته . مرات عديدة هبت ثائرة كنمرة , وأساءت اليه .
- أنت عديم الهمة .. العيب فيك .
يضمها الى صدره فتستكين وتجهش بالبكاء . ثم بكثير من الصبر يدلك فروة رأسها حتى تهدأ , وتتبدد الغيوم .

....................

     محاصرة فى ركن الغرفة . زغرودة تشق طريقها منطلقة من حلق أمها بين ضجيج النسوة , وصخب العيال . ( أم باتعة ) تشمر عن ساعديها . ترفع الأساور الفضية تخنق بها ساعدها اللحيم , فتكف عن الصلصلة . ظلت تبحلق طول الوقت فى الأساور المغروسة فى لحم الساعد كأفاع لن تلابث أن تنتفض . يكاد قلبها يسقط فى قدميها , لولا الفرحة التى تطل من العيون , وزغاريد الأم . و ( أم باتعة ) كالغول , ملأت حيز الرؤية . لم تعد تر الا رداءها الأسود يصبغ كل المرئيات .

...................

     استيقظت أصابعه , فعادت تتلمس طريقها صعودا فوق فقرات الظهر . حلقات الدخان من بقايا اللفافة تصنع شريطا , سرعان مايتبدد فى فضاء الغرفة . لازال رونقها كأنها عروس الأمس . وهو نفس الرجل الذى أحبت . يثور لذرة ملح زائدة فى الطعام . لكنه فى الفراش , عندما يبرز الغول , ويلقى فوق دمائها بسطل من الماء البارد . يعود طفلا يلهو بفرشاة . يسمو فوق نزقها وحيرتها 
.
....................

     حلقة الأجساد, والأيدى القوية ككلابات , تلصق الظهر بالأريكة . الأصابع الغليظة تكشف العورة , وتباعد بين الفخذين . تتحرك الأساور الفضية نزولا , فتسكب نارا . ترتفع , فتلقى مزيدا من شواظ النار . يخور الصوت , وتخور الساق , ويخور الساعد , وترتخى الكلابات . ولا يبقى الا النار , ورائحة الكحول , وتغيب الوجوه فى الضباب .
....................


     يقتلها الفزع من كلمة لم تبرح شفتاه , لا تدرى متى يقولها , يمزق بها غلالة الكبرياء . تجوس أصابعه تصنع ايقاعات لم يأت بها ساحر , تتشربها كل خلية من خلاياها . روح جارفة تشملها من كل الأنحاء , فتحلق لثوان حول تخوم الدهشة . تشرق عيناه للحظة , ثم تعتم من جديد بازاء النظرة الجامدة النزقة .  لو تستطيع
تلك اليد الميتة ان تمتد اليه , تضمه اليها , وتنظر فى عينيه و تبادله نظرة فهم وعرفان .. ويذوب الجليد ..
لو تستطيع .

الخميس، 16 يونيو 2011


  لون الحناء                                                       
..........                                                                                     قصة قصيرة .. محسن الطوخى  

( حبروك ) .. صديق ابنتى .. عندما حكت لى عنه لأول مرة , ضحكت حتى دمعت عيناى , لم أتصور أن الأسم حقيقى .
فى دار الحضانة قالت المربية الشابة وهى تضحك :                           
- لدينا أكثر من طفل يدعى ( أحمد ) .. نميزهم بالألقاب .
ابتسمت وأنا أطلب عنوان ( حبروك ) , علقت على نظرة , نصفها مكر , ونصفها دهشة . كان النطاق الأبيض العريض يضيق على الخصر, فى توافق تام مع دم الغزال المنسدل حتى الركبتين .
قلت : زوجتى تنتظر فى الخارج .
توارى المكر خجلا , قالت : تعال لتقابل القبطان .
قادتنى الى غرفة المدير
قال العجوز : لم أترك البحر بارادتى .
ولما تساءلت نظرتى قال : الربو ...  وضحك .
مال يشعل غليونه . كان الطفل قد دخل , وقف على بعد ذراع صامتا , تلامسرأسه المتوهجة بلون الحناء – بالكاد – حافة المكتب , كان ينظر الى مرة , والى القبطان مرة , بينما تدفقت فى المكان رائحة الطباق . حرك لون الحناء شيئا دافئا بجوار القلب .
قال الطفل : هى تعثرت على الدرج .. لم أدفعها .
قلت : أعرف هى لم تتهمك .
ثبت نظرته على ولم ينطق .
قلت : ماذا تظننى أحضرت لك ؟
قال وهو يتملص من بين ركبتى : ربما طائر البطريق .
ابتسمت .. كنت أعرف خيال ابنتى , وأحفظ عن ظهر قلب , كراسات صورها الملونة .
..........
كوب شاى دافىء , فوق المنضدة أشياء صغيرة , لفافة حلوى مأخوذ منها قضمة , حبات فيشار متناثرة , وشاح زوجتى الأزرق , مزق من ضؤ الشمس . قبالتى تجلس زوجتى , ترقب من تحت النظارة الشمسية لهو الطفلين بين مربعات الزهور . أتذكر كيف تلون وجه القبطان وأنا أطلب عنوان ( حبروك ) . لمعت فى عينيه ابتسامة , نصفها مكر , ونصفها ريبة . تلاشى المكر فى صفاقة وأنا أذكر له الأسباب . كان يجد الوسيلة ليحدثنى عن البحر , قال لى أن البحر ليست به عناوين . ولما ذكرت شيئا عن خطوط الطول وخطوط العرض , قال أنه يعنى الأعماق , حيث عيون الأسماك ليست لها جفون .

     أعرف نظراتك تلك ...من تحت النظارة الشمسية .. منذ خرجت اليك ... أسعل من رائحة الغليون ... وكأنك عرافة جبل الأوليمب .

هل تقدر أن تخفى كيف يحرك فيك الأشواق لون الحناء ؟ كلمات ما من أغنية حملتها اليك رسالة شوق وأنت غريب مبعد .. جانب من وجه يكسوه الظل , يحمل نفس القسمات .. شامة تعلو الصدغ الأيمن باستحياء .. كذلك لون الحناء , يبعث فيك الرعدة .

      تلك الليلة .. لن تنساها أبدا .. هل تقدر حقا أن تنسى تلك الليلة ؟ .. تأتى ( ليلى ) دامعة .. كنت غريرا أذ تتقاعس .. ماذا تجدى الآن كل كنوز العالم ؟ .. مغرورا كنت بكلمات جوفاء .. وليلى , كانت تستجدى من عينيك القوة .. يقدر ضعف الأنثى أن يفعل مالا تفعله فصيلة جند لو تمنحه القوة .. كيف تركت الحناء ذاك اليوم لا لتعود .. ويأتى الآخر .. يخطف منك الماضى , والزمن الآتى .

قال القبطان : فى البحر تتلقى الانذار , قبل مجىء الأنواء .
تتساءل عيناى فيقول : من لون الماء .
أضحك فيقول : قبل هبوب الريح يتغير لون الماء .. حين يدور الماء ويدور , تتكون عين الاعصار .. هل تعرف عين الاعصار ؟
..........
قالت زوجتى محتدة : ماذا تعنى ؟ .. أنت تطلب عنوانا .. لا أكثر من عنوان .
وافقت أنا على الانتظار , استدارت , عبرت نهر الشارع , توارت خلف الباب الشاهق . ( قبل هبوب الريح ... يتغير لون الماء ) ..

قالت طفلتنا : يوم الجمعة , حين نذهب فى نزهة , يأتى ( حبروك ) معنا .. راقتنى الفكرة .. راقتك الفكرة أيضا . وحين هبطت السلم عائدة , وعبرت الشارع مقتربة . لمحت الريبة فى عينيك .. من أين لى أن أعلم , لون الشعر , والشامة فوق الصدغ ؟ .

قالت والبشر يزاحم فى عينيها الريبة : هاك العنوان .
متشابهة كل الطرقات , راحت تتلو من قصاصة , اسم الشارع , رقم البيت , حرت كثيرا كى أتجنب كل الطرق الممنوعة . وأخيرا نحن أمام البيت المطلوب . أوقفت العربة . لم أفتح بابى . لم أعبر عرض الشارع ليغيبنى المدخل وأعود بعد دقائق بتالمطلوب . قالت وبريق الريبة يتكاثف : سأذهب . لن يتعدى الأمر دقائق . أومأت موافقا . رحت أفتش عن قرص الشمس , خلف ركامات السحب الفضية , وأعرض صفحة وجهى الساخن لرزاز المطر المتساقط .
    
          ( كان السيد يتأهب . وصوت البوق يولول فى الغابة . والذئبة
           الحمراء , أقعت حائرة . أى طريق تسلك . وعلى الربوة ( ناتاشا)
           لا تفهم شيئا . من صوت البوق , كان السيد يعرف ما يجرى فى 
           الغابة .............. )

عادت لتداعب طفلتنا وتقول : تحيا السيدة فى قصر .
قلت : فلنضرب صفحا عن تلك النزهة .
لمعت فى عينيها الريبة . قلت نظرتها ( تهرب من شىء ما ) . لزمت الصمت .
قالت : فى الغد .. نمر لنأخذ ( حبروك ) معنا .
لم أجرؤ أن أسأل , هل شعر الأم بلون الحناء ؟ .. هل تعلو الصدغ الأيمن شامة ترقد باستحياْ ؟
( حبروك ) ذو السنوات الخمس الغضة , يعرف نقطة ضعفى . يأتى , يعبث بالحناء المشتعلة فوق الجبهة ويقول : فى المرة القادمة .. هل تترك أمى تأتى معنا ؟

أنت ذهبت .. وأنت أتيت ب (حبروك ) .. وأنا مزروع تحت الظل الوارف .. وشظايا البقع الشمسية , تتراقص فوق لفافة حلوي مأخوذ منها القضمة .. وحبات فيشار .. ووشاح أزرق .. وأحدق فى عين الاعصار , تحت النظارة الشمسية .

.............

تسكب بسمة , وتقبل خد الطفل وتقول : أجل .. سندعو ماما لتلهو معنا .. يتهلل وجه الطفل . 



أصيل ( 9 - ؟  ) ... كتاب أصيل
........................                        


     أبرز ماكان يميزه , هو قدرته على الحلم فى زمن الأحلام المجهضة .

أحببته لقدرته على التغريد خارج السرب دونما ملل . 

كان يدرك أنه يغرس فسيلة لن يرى ثمرتها . ورغم

 ذلك كان أكثر حماسا من معظم الشباب . ولأن الأدب 

لم يرتق فى بلادنا السعيدة الى مصاف المهنة , كان 

على أنور جعفر أن يغترب فى سفرتين استغرقتا القسم 

الأعظم من عمر أصيل . لكنه وقبل أن يرحل فى 

سفرته الثانية الى الامارات وضع لبنة الحلم المجهض

 . ترك تفاصيل وسياسة نشر كتب مبدعى الجماعة ,  المغلقة دونهم أبواب مؤسسات النشر الرسمية , تلك 

الموقوفة على أنصاف الموهوبين من المحاسيب , والمنتمين الى الأدب من باب الصحافة وهيئات  وزارة 

الثقافة . دعمت الجماعة كل كتاب نشرته ماديا من حسابها المتواضع , أملا فى أن يغطى التوزيع تكاليف النشر 

. بدأنا رحلة كان يراها أنور ونراها معه نواة لدار نشر . كان حلما آيلا للسقوط , لكننا بدأناه .

فى نفس التوقيت كان حلم أنور الأول يحتضر مبددا مدخراته ومدخرات أصدقائه الأقربين .. مدخرات صغيرة لا 

تقوى على مناطحة حيتان الانفتاح الذين أكلوا الأخضر واليابس . اذ أفلست شركة الانتاج الفنى التى أسسها 

بالقاهرة . ورغم أنى كنت أحد شركائه , فقد أصر بفروسية نادرة على تحمل النتائج وحده , فسدد بسفرته

 الثانية كل قروش الشركاء 
.
ولم ينج كتاب أصيل أيضا من الغرق , الا أننا عشنا الحلم . كنا ندرك بالحدس أن أحلامنا تسبق الواقع , بينما

 الواقع يهرس الأحلام .

ومن بين كل أنشطة الجماعة , أعتبرت كتاب أصيل حلمى الخاص . منحته كل ساعة من النهار . وقمت بكل 

الأعمال التنفيذية .

كانت دفقة الابداع لدى قد تبددت بكتابة مجموعة قصص ( عش الدبابير ) حتى لقد مرت سبع سنين لم يفتح الله 

على بقصة واحدة , فأغرقت نفسى فى أعمال النشر . كنت أقوم باعداد نسخة الكومبيوتر , فأحملها الى 

المطبعة وأباشر التفاصيل حتى تضع المطبعة حملها , فأقبله كوليد . ثم نبدأ رحلة التوزيع المليئة بالاخفاقات .

مؤسسات توزيع كبرى بلا ضمير , تحرص على تحصيل حصتها نقدا عند التعاقد , ثم لا تطرح الكتاب بجدية , 

ثم تعيد اليك النسخ بنفس الأعداد , سالمة من كل سؤ . ولقد حققنا بعض النجاحات بجهد جماعى أسهم فيه 

الجميع كل حسب طاقته فى التوزيع عبر منافذ البيع داخل المدينة . لكنه جهد لم يقوعلى منح قبلة الحياه

 للسلسلة . فبعد اصدار أربعة كتب كان علينا التوقف , حيث نفدت قدرة الجماعة على تمويل النشر .

نجحنا أذن فى اخراج أربعة كتب الى النور هى :

  • - كتاب أصيل الأول : ( عش الدبابير ) مجموعة قصصية لمحسن الطوخى . 
  •  
  • - كتاب أصيل الثانى : ( الزهر والطل ) ديوان شعر لشاكر أبو السعود .

  • - كتاب أصيل الثالث : (  الكشر  ) رواية لحجاج أدول .

  • - كتاب أصيل الرابع : ( أنا الامام ) مجموعة قصصية لعبد الهادى شعلان . 
  •     

ماقيمة الحلم عندما ينتهى الى الاخفاق ؟

انه يزرع القيمة .. ويثمر رغم عدم اكتماله أثرا يبقى دليلا على القدرة على الفعل .



الجمعة، 10 يونيو 2011


أصيل ( 8 ) ... ياسر عبد القوى

................................... 
                      


      الأسكندرية .. مدينة 

منسية , متروكة باهمال على

 ساحل المتوسط . تجتر عصر 

الكوزموبوليتانية , تبحث عن 

مزيل للرائحة , وتحشو

 الأخاديد التى حفرها الزمن

 بالمساحيق الرخيصة . تلهى 

العابرين بدمية للأسكندر , 

وناطحات السحاب التى تغرس سيقانها فى وحل العشوائيات .

     نأسى فى ندواتنا على حال المدينة , وننتقد مظاهر فقر الفكر التى تخيم على 

العروس الشائهة . ولعل أول من أطلق عبارة ( كفر الأسكندرية ) هو ياسر عبد

 القوى , تعبيرا عما آل اليه حال سيدة المدن  فما أن يلمع نجم فى سماء الأسكندرية

 حتى تغويه النداهة , فيرحل الى الأضواء والموائد . وكنت أرى ياسر فأتخيله فى 

صورة أقرب ماتكون الى صورة الرجل الأخضر لحظة التحول , اذ تتمزق سترته

 محررة للطاقة المحبوسة . ولم يمر بالندوة خلال تاريخها من هو أكثر منه اثارة 

للجدل . بالضبط كما لو أن عاصفة سيريالية هبت على الندوة . ونادرا مامرت 

قصائده أو قصصه مرور الكرام . بل كانت على الدوام مصحوبة بعواصف من 

المناقشات مابين الرفض والقبول .

      وعلى الرغم من أن السريالية فى ذلك الوقت من بدايات التسعينيات كانت 

موضة رائجة , تعثر على نماذج منها فى كل تجمع أدبى , وفى كل اصدارة , الا أن

 ياسر عبد القوى كان يتميز بالصدق . فقد كان يدرك أبعاد الاطار الذى يتحرك خلاله

 . وكنت تصدقه كمتلقى مهما غصت أعماله بالصور غير المألوفة , والجمل الصادمة 

. وقد أحدث التيار السريالى الذى جلبه ياسر الى الندوة نوعا من الحراك الثقافى .

 وأزعم أن أفكاره وصوره قد تلاقحت مع سواها حتى لقد كنت ألمح شذرات من آثاره

 فى أعمال الأدباء من الأجيال التى تلته .

      ولقد جسد ياسر نموذج من المبدعين متعددى المواهب , فبالاضافة الى

 مساهماته فى القصة والشعر ,فلقد كان فنانا تشكيليا فريدا ,لم تشبه خطوطه

 وتكويناته أحد من سابقيه . ومن البصمات التى تركها ياسر عبد القوى اضافة الى

 الروح السريالية التى نفثها فى الندوة , مساهمته فى تصميم أغلفة كتاب أصيل . 

فهو صاحب الأغلفة التى حملتها كلا من المجموعة القصصية عش الدبابير , ورواية 

الكشر التى أصدرتهما الجماعة ضمن السلسلة . ولربما روضت الأيام بعضا من 

جموح ياسر .

الا أنه نفس الفنان المتمرد الذى عرفته . وسيظل .



أصيل ( 7 ) ... جماعة أصيل الأدبية 

.........................................                

      عندما اكتسبت الندوة أسما علما عليها , كانت قد أنفقت من عمرها قرابة ست سنوات . ولابد أن الاسم - رغم شكليته – يضفى شيئا ما على الكائن , بل أزعم أنه يضيف الى جوهره . وهذا ما حدث للندوة , فكما يصنع جنين الطير اذ يكتمل , فلقت أصيل جدار البيضة , وشقت سبيلها بازغة الى الوجود .
      كانت الندوة فى ذلك الحين قد ضمت باقة الرعيل الأول , قامت واشتد عودها على أكتافهم وهم ليس على سبيل الحصر : أحمد عبد الجبار \ عبد الهادى شعلان \ أحمد قاصد \ المرحوم د.عاطف الأقطع \ ياسر عبد القوى \ خالد حجازى \ عصام جنيدى \ رمضان عبد الحفيظ \ أحمد صالح \ايناس لطفى \ شهدان الغرباوى \ رمضان رحيم \ عاطف الصبروتى \ على الشوكى \ جلال جعفر \ أمينه عبد الله \ أمل سعد \ رحاب صالح .  وسرعان ماتدفق على أصيل بمرور السنين شعراء وقصاصين ومثقفين أثروا الندوة بأعمالهم , وأنشطتهم , ومبادراتهم , وفق ما سنرى تباعا .
وقد مارست الجماعة دورها من خلال محورين .
المحور الأول : وتمثل فى الندوة الأسبوعية التى كانت تعقد مساء الجمعة من كل أسبوع . وكانت بمثابة ورشة للمبدعين . يعرضون أعمالهم وتتم مناقشتها بموضوعية فرضت قواعدها , كأنما كان للندوة جهاز عصبى اكتسبته بالممارسة والاصرار , يلتقط أدنى تماس مع فكر الكاتب أو معتقداته , فيرد المتحدث الى قواعد الفن وجمالياته . وكان كل فرد فى الندوة يقوم بذلك الدور . الأمر الذى رفع بالتالى دور الرقيب الداخلى الذى أعده أشد سطوة من الرقيب الخارجى .
      وقد التزمت أصيل بعقد ندوة عامه واحدة شهريا على الأقل . وكانت الدعوات توزع على قصور الثقافة , وعلى مقاهى المثقفين , وغالبا ما كان عدد الحضور يفوق طاقة القاعة على الاستيعاب . وقد تنوعت أنشطة الندوات العامة فشملت كافة أوجه الفن والفكر والثقافة , ولن يتسع المقام الا لعرض نماذج متنوعة من الندوات العامة التى عقدتها أصيل خلال الأعوام 94 و 95 و 96 .
- مناقشة لرواية ( جبل ناعسة ) بحضور مؤلفها الأديب مصطفى نصر .
- رؤية نقدية للدكتور أحمد صبرة حول رواية حجاج أدول ( الكشر )
- مناقشة مجموعة ( عش الدبابير ) لمحسن الطوخى ادارها الناقد كمال عماره .
- ندوه بعنوان ( السيناريو لغة العصر ) قدمها الأديب عبد الفتاح مرسى .
- ندوة بعنوان ( الخط العربى . أصوله وجمالياته ) للفنان عصام الدين عبد الواحد
- عرض فيلم (سواق الأتوبيس) لعاطف الطيب ادار المناقشة عاطف الصبروتى .
- مناقشة مجموعة (أنا الأمام) لعبد الهادى شعلان ادارها الأديب رجب سعد السيد.
- ندوة بعنوان (معمار النص) قدمها الدكتور أبو الحسن سلام .
- ندوة بعنوان (النوبة فى التاريخ المصرى القديم ) للأستاذ عادل النحاس .
- ندوة بعنوان (الدادية والسريالية . رؤية تشكيلية) قدمها ياسر عبد القوى .
- ندوة بعنوان (حرية الجرأة وشعر العامية الفصيح ) للشاعر ضياء طمان .
- عرض لمسرحية (على جناح التبريزى) قدمته فرقة الشروق للمكفوفين , اخراج عاطف شهبه .
- ندوة بعنوان(مصادر الثقافة لدى الكاتب المسرحى) للمرحوم \أنور جعفر .
- مناقشة مفتوحة لمجموعة ( شوية اصص) لماهر شريف .
- مناقشة العدد الأول من مجلة خماسين أدارها أمجد ريان و يسرى حسانين .
- ندوة بعنوان ( الظاهرة السكندرية .. جمال الدولى ) قدمها نبيل نور الدين .

المحور الثانى : وتمثل فى اجتماع المؤسسين الذى كان يعقد مساء الأثنين كل أسبوعين . وقد وفر النادى النوبى صالونه لعقد تلك الاجتماعات . وتألف الأعضاء المؤسسون من المجموعة التى اقترن وجودها ببدايات الاستقرار بالنادى والذين تطوعوا بالقيام بالأعمال التنفيذية , بالاضافة الى أولئك الذين تولواعبء تمويل الجماعة بمساهماتهم المالية على هيئة مشاركات شهرية . وكانوا على سبيل الحصر . أنور جعفر \ حجاج أدول \ أحمد نبيه  \ محسن الطوخى \ رمضان رحيم \ عاطف الأقطع \ ايناس لطفى \ عبد الهادى شعلان \د. رمضان الصباغ .
     وقام اجتماع المؤسسين بما يشبه دور اللجنة التفيذية , اذ كان يباشر عددا من الأنشطة الهامة لانتظام عمل الندوة باعتبارها العمود الفقرى للجماعة , بالأضافة الى جدول أعمال متنوع يمكن تبسيطة فى مجموعة من البنود كالآتى :
- اقتراح الندوات العامة , واختيار الضيوف , والاتصال بهم , وطبع وتوزيع الدعوات .
- امساك الحسابات , ومراجعة المصروفات .
- مباشرة الأمور المتعلقة بالطباعة والتوزيع لكتاب أصيل  .
- متابعة وترتيب الأنشطة المشتركة مع المؤسسات الثقافية بالأسكندرية كالأنفوشى ومصطفى كامل والأتيلية كما سيأتى تفصيله بعد .
- الاتصال بالصحف والدوريات الفنية بالقاهرة للترويج ونشر أنشطة الجماعة .
- عقد الصلات واستضافة الأدباء من الأقاليم .
- التنسيق والترتيب لحضور الفعاليات الثقافية كمؤتمر أدباء الآقاليم .
ولو أنى أنصفت لأثقلت , غير أنى لا أدون تاريخا بقدر ما أدون نصوصا من الذاكرة . امتنانا لجيل قدم للأسكندرية ومضة من نور . 

اللوجو من تصميم الفنان \ ياسر عبد القوى

أصيل ( 6 - ؟ ) .. خالد يوسف

............................
                          
                      
      تنتابك الحيرة وأنت تعالج بعض الشخصيات , اذ تكون بطبيعتها عصية على التصنيف . وتتميز تلك الشخصيات بالثراء , لكنه ثراء الغابات الاستوائية , حيث التنوع الحيوى المذهل , وحيث العشوائية هى أداة الطبيعة لتحقيق النظام . ومن تلك الشخصيات النادرة .. خالد يوسف . فأنت لا تستطيع أن تحسبه على الشعراء رغم أنه ينظم الشعر . وهو ناقد جيد , كان بامكانه امتلاك ناصية النقد فى الأسكندرية بغض النظر عن التخصص , ولكنه لن يعترف لك بأنه ناقد . وهو مترجم , يحدثك عن ترجماته فيشوقك , لكنك لن ترى منها الا نتفا ( لا تبل ريق ) . وهو أفضل ناحت للمصطلحات , ولو أنى قمت بتسجيل ما نحته فى ندوات أصيل خلال سنوات من جمل وعبارات ومفردات , لكنت صنفت له معجما خاصا .
      كما أنه محلل لا يشق له غبار , ولكنك سوف تتردد طويلا قبل أن تتبنى تحليلاته . وهو - بعد – أحد المؤسسين لأصيل , لا يمكنك أن تمارى فى ذلك , لكنك لن تعثر على نشاط واحد يحمل بصمة خالد يوسف . وخير ما يقرب الى الأذهان علاقة خالد يوسف بأصيل هو أنها أشبه ما تكون بزواج المسيار .
      فأنت تعثر على خالد دائما فى سجل اجتماعات المؤسسين , لكنك ستراه قليلا فى ندوات القراءة والورشة . وهو أحد المشاركين بفعالية فى صياغة دستور أصيل ونهجها وخططها , لكنه لن يتولى عملا تنفيذيا . وفى اجتماعات التحضير لمجلة أصيل التى استغرقت أكثر من عشرين جلسة أسبوعية , سيكون واحدا من أفضل من طرحوا الأفكار . لكنه مثل الجميع , لم يناضل لاخراجها الى النور . ولمشروع مجلة أصيل حديث مستقل سيأتى لاحقا .
      واذا كانت أصيل قد افتقدت عنصرا بشدة فى أى مرحلة من مراحل تواجدها , فقد كان ذلك العنصر هو الناقد المتخصص . كنا جميعا على اختلاف الشرائح العمرية نقادا بالفطرة , بحكم انتمائنا الى الفئة التى أدركتها حُرفة الأدب , وكانت آراءنا تصطبغ بأذواقنا وميولنا الفنية اذ نمارس نقد الأعمال المطروحة للنقاش , فكان الشوق الى ناقد متخصص يمثل عاملا مشتركا فى معظم مناقشاتنا خلال اجتماعات المؤسسين .
      نجحنا فى أحايين كثيرة فى الاستعانة بأساتذة النقد الأدبى فى جامعة الأسكندرية . كالدكتور أبو الحسن سلام , والدكتور السعيد الورقى , ونجحنا فى مايشبه استقطاب الدكتور أحمد صبره ليكون أحد النقاد الدائمين , لكنه بعد ندوتين ناجحتين , سافر فى اعارة الى خارج البلاد , ففقدناه قبل أن نكسبه . فلجأنا كنمط دائم الى الاستعانة بالنقاد السكندريين الهواه , وكانوا فريقا من المجتهدين الذين لا يمكن انكار ماأضافوه سواء لأصيل أو بجهودهم فى مختلف محافل الثغر الأدبية بقصور الثقافة , أمثال الرائع رجب سعد السيد , والمجتهد كمال عماره , والشاعر محمود عبد الصمد , وآخرين .
      وبمقدار ماانشغلت أصيل بالعمل على توفير ناقد , بمقدار مانصبت شراكها وأعملت الحيلة فى سبيل اقتناص خالد يوسف فى دائرة النقد . وكان هناك فريق من أصيل كنت واحدا منه يرى فى خالد ناقدا بارعا , ومحللا أصيلا , وناحتا للمعانى , يملك القدرة على التوصيل والاقناع , يتمتع ( بلطشة ) مما يسمونه بالكاريزما وما نعرفه بالحضور . الا أنى أشهد أن خالد آنذاك والزئبق كانا من فصيل واحد . فهو لم يرفض , ولم يتوانى قط . بينما لم يحمل أبدا على عاتقه مسئولية الناقد المعتمد للجماعة . ولو أنى زعمت أن خالد يوسف لم يكن ركنا من أركان الجماعة والندوة , فانى أكون حينها متجاوزا للحقيقة , مفتئتا على واقع لا يمكن انكاره .