السبت، 30 أبريل 2011

هل نصحو من السبات الدوجماطيقى

نبدأ بتعريف لفظ دوجماطيقى , وهو مشتق من اللفظ اليونانى ( دوجما ) ويعنى الالتزام بعقيدة الى حد التعصب , أى الى حد الرفض المطلق لنقيضها , ومن ثم يعتقد صاحب هذا المعتقد أنه مالك الحقيقة المطلقة والملتزم بفرضها على الواقع , واذا حدث ذلك امتنع الواقع عن التطور .


ولكن أزمة الدوجماطيقى تكمن فى أن الواقع محكوم عليه بالتطور بحكم أنه نسبى , فيلزم من ذلك مجاوزة النسبى للمطلق , ومن هنا يدخل الدوجماطيقى فى أزمة . وهذا هو حال جماعة الاخوان المسلمين الآن 


والوهم الذى يقع فيه المثقفون هو الترويج للدولة المدنية , فلفظ مدنى مشتق من لفظ مدينة . وفى العصر الوسيط أصبح لفظ (مدنى) مرادفا للفظ (حضارى) , فيحق اذن للأخوانى القول بأن الأخوان المسلمين مع الدولة المدنية . 


أذن المثقف الذى يتصور أنه يفترق عن الأصولى بأنه مدنى يقع فى الوهم , ومن شأن هذا الوهم أن يوقعه فى سبات دوجماطيقى . ولا سبيل الى الخروج من هذا السبات الا بالعلمانية التى هى نقيض الدوجماطيقية . فاذا كانت العلمانية هى التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق , فلأصولية هى التفكير فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى .


واذا عاند الواهم وروج للفظ (مدنية) فالرابح هو الأصولى بلا منازع . ومن هنا فان أزمة شباب ثورة 25 يناير هى أنهم بلا غطاء علمانى .


فواجب المثقف المصرى هو التلاحم عضويا مع ثورة الشباب , بحيث يتمكن هؤلاء الشباب من ترجمة حركتهم فى حزب علمانى يقف على النقيض من الحزب الأصولى . وبذلك يحتل الساحة حزبان , ويكون للمواطن حق الاختيار . فاما ان يختار الحزب الأصولى فيدخل فى سبات دوجماطيقى , ومن ثم يمكن لهذا الحزب ادارة المجتمع وهو فى حالة فقدان وعى . واما ان يختار الانحياز للحزب العلمانى فيمتنع عن الدخول فى سبات دوجماطيقى , ومن ثم يمكن لهذا الحزب ادارة المجتمع وهو فى حالة وعى يقظ متجها نحو صناعة المستقبل . 


                                                               د. مراد وهبة ( بتصرف )
          

الجمعة، 29 أبريل 2011

الوثن                                            قصة قصيرة    محسن الطوخى   
مساقا كنت الى الجنوب , كالأشياء القدرية كانت رحلتى , كالحياة والموت ,. نظرت أمى فى عينى وتمتمت: ترحل وما أتيت الا لنهارين وليلة ؟
أشحت بعينى بعيدا : سألتقى بصديق . ... لم أقل لها شيئا عن الأشياء القدرية . 

................

عندما رأى أحد الرفاق عين الوثن الوحيدة , نصف مفتوحة , نصف مغمضة , عاد وحكى , حدد خط الطول , وحدد خط العرض , ولم يدر أن الوثن كان منذ الأمس صائما , فسمح لعينه الوحيدة أن تطل - حمراء واهنة - من فرجة بين التلال , فى تلك المرة عند انبلاج الفجر , أفطر الوثن بمائة رجل , نصفهم من ذوى الدماء الحمراء , ونصفهم من ذوى الدماء الزرقاء , وصحن وعجن أطنانا من الصلب القوى , فالوثن يهوى اللهو بالصلب القوى .

.............


كنت قد فارقت الرجال , لا أعرف من منهم سيبقى حيا حتى أعود , والقرابين لم تزل تقدم كل ليله , والوثن لا يكاد يرتوى , يصحو فى عمق الليل , أما فى النهار فيغفو , يميل برأسه خلف التلال , ويتوارى فى بقع الظل , ينكمش ويوزع نفسه فى الحفر , ويتمدد فى الوديان وفى مجارى السيول , وعندما تميل الشمس للغروب , يفتح عينه الحمراء , يلملم نفسه من الحفر, وينهض بجوعه الأبدى , نراه على مدى البصر , هناك بعيدا عند الأفق , كأطياف سراب خيالية , ونلمح الضؤ الباهت المنعكس فوق ذنبه الشائك المنفر وهو يتسلل متمسحا بميول التباب المعتمة , تلتقى أعيننا عند مغيب الشمس , وللقرابين طقوس نعرفها كلنا ... قبضة اليد على الصلب البارد , الضحكة المبتورة , نظرة تتمسح بالمكان .. ويبتلع الليل الخطوات الحذرة فى رحلة للمجهول .
................


بالأمس فقط كان ( عبد الصمد ) القربان الأخير  دفء جسده فى القلادة المعدنية كان رفيقى وأنا أخب على الطريق الرملى الملتوى , أطبق كفى على دفء المعدن البارد بينما تتزاحم فى رأسى الأفكار , هل قدر لى حقا أن أرى الأهل ؟ .. الولد , والأب الضرير .. والطاحون .. والحقول . 


.................


قبل أن أطلق كفه قلت له : كن على حذر 
معزوفة اللسان الطويلة تركزت فى نظرة العين  فالوقت قد أزف , الوثن باق , يؤكد ذلك عزم العين المسددة , لا يدرك الجنوبى أن الوثن باق , سيميل , ينزع شوكة من الطرف المتلكىء .


                              لو فعلت ذلك ياعبد الصمد , سيستدير الوثن , يلقم يمناك .. ثم يطوحها 
                              مخضبة , مهتوكة الأنسجة , فهو لا يهتم باللقم الصغيرة , ولكن بالحيطة  
                              والحذر , فكن على حذر .. كن على حذر .

.........................

صوت القطار الهادر كان هو الصوت الوحيد الذى طوال رحلتى الى الجنوب . أعرف أنى ذاهب للقائه فى بلدته الجنوبية . أعرف أيضا أنه ليس هناك . ودفء القلادة تسرب من يدى . حكى لى عبد الصمد - فى الليالى القمرية - عن المعدية التى سأستخدمها عندما يصل القطار مع الغروب , حكى لى عن الأرض السمراء , وصف أشجار الجازورينا الذى يحرس مدخل القرية , قال عنها : 
- أربعون شجرة , كل واحدة لى معها حكاية , كل واحدة بينها وبينى سر صغير .

...................


صحت به : لا تفعل ...كن على حذر . خرج الصوت كالفحيح , أما هو فلم يتوقف صوب بندقيته واطلق وابلا من النيران بينما كنت أجاهد لأرفع صوتى . كانت الغريزة والمران الطويل أقوى أثرا فلم أقترب , ضاع الصوت المجروح , حملته الريح فى الاتجاه الآخر  فى اللحظة التالية كان على أن أنغرس فى الرمال الباردة . 


                              ايه ياعبد الصمد .. كان يجب أن يسبق الفعل تدبير ..وها نحن مكشوفو 
                              الصدور .. وأنت لم تكد تفيق م، فورة الغضب حتى اكتشفت أن أوان 
                              التدبير قد فات .. والأمتار القليلة التى تفصل بيننا , دونها الدم والحديد
                              والنار .. وأنا الذى وعيت الدرس .. أين أذهب من نظراتك التى لا تفهم
                              ماذا يجدى الصدر العارى الصدر العارى ؟



...............


لم يجمعنا - عبد الصمد وأنا - عمل واحد قبل أن نلتقى ذاك المساء فى خندق متعرج يشق أديم الأرض , تذرو الرياح ذرات الرمل فوق لحو رؤوسنا العارى . منذ فارقت كف الفرقيب كتفى مودعا , وبين أصابعى قلادة معدنية تحمل رقما , وفى جيبى صورة الولد , مهوش الشعر , يحملق فى عدسة المصور . سرت البرودة فى أطرافى . سيحملق فى الولد بنفس العينين .


................


يأتى السعال من الداخل , والبيت يتصاعد فيه دخان الفرن , تحاصرنى اللأعين الذاهلة ,وقع الخبر الجاثم فوق الأذهان يحلق كطيور البحر , الصرخة الملتاعة تذهب وتعود مضفورة بحبال اليأس , والمرأة الشابة تحثو طين الأرص , والولد الغافل يلهو بقلادة .
.
                              جئت ياصديقى لكى ألقاك فى هذه العيون الذاهلة . والولد لم يعد يحبو 
                              غافلك وسار على قدمين .. لو أقدر أن أمضى عمرى بسريرة طفل لاه 
                              أن أنسى أحزان الأم ...والأخت .. والجدة . 

..................


حين عدت الى بلدتى ويممت شطر الحقل , شممت رائحة عرقه فى الممرات الضيقة بين الزراعات , وحين أمسكت بفأسى , رأيت بصمات أصابعه , وحين ملت على ماء النهر , عكست المياه الخالية من الطمى صورته . على مدخل بيتى كان واقى الرأس المموه بالبقع الملونة يعلو فوهة البندقية المستندة الى الجدار . بالقرب منها كان هو بجسده الضخم متمددا فى استرخاء , عاقدا ذراعيه فوق صدره , مغمض العينين يبتسم شأنه حين يكتشف بعد لجاج أنه على خطأ . حين ملت عليه بدهشة , لم يعد هناك , كان مدخل بيتى أيضا قد اختفى , والطريق المترب الذى خلفته ورائى غاب فى الظلمة . وكل ماكنت أعتقد أنى أعرفه من معالم بلدتى الهادئة بت أدرك أنه شرك يستوجب الحذر , وأنى فى اللحظة التالية قد أرى الذيل ذا الحرافيش ينسحب بخفة ,ينعكس على استدارة أجنابه ضؤ القمر الشاحب .









الأحد، 17 أبريل 2011

جوهر المسألة هو حياتك !

ليست هناك أهمية لما تعتقده أنت أو أنا , جوهر المسألة هو حياتك , تفقدها أو تحتفظ بها لقاء أشياء لا تدخل فى حساباتك ... القضية العامه تتحول فى الميدان سواء شئت أم أبيت الى قضية غاية فى الخصوصية ...أن تظل حيا , فاذا علمت أن الله هناك ينظر , فسوف تمتلىء بشىء واحد , هو الدهشة , ولن يبقى حقيقيا الا ما يحتويه قفص الطيور .
                                              من قصة  ( قفص الطيور ) ... مجموعة ( عش الدبابير )    محسن الطوخى