الأربعاء، 18 يوليو 2012


قراءة فى المجموعة القصصية بعنوان ( أفق بلا حدود )
 للكاتبة غادة عيد
.....................................
غادة عيد كاتبة مفرطة الحساسية , تتميز بمعجم خاص تنتح منه ألفاظها , تنتقى موضوعاتها بوجدان أنثى شرقية بكل أشواقها المكبوتة , وأحلامها المحاصرة . وهى من الكاتبات اللائى حصرن إبداعاتهن فى قالب القصة القصيرة جدا .
والمجموعة المطروحة تتألف من أربعة أقاصيص تدور كلها حول موضوعات تتصل اتصالا مباشرا بالعالم القريب جدا من وجدان الأنثى , فالقصة الأولى بعنوان ( أفق بلا حدود ) تدور حول الحبيب وجدلية العلاقة الأزلية التى يحاول الرجل فيها فرض عالمه المتسع اتساع الكون , بينما تتوق المرأة الى التمحور حول بؤرة تجسد أشواقها , وتدور الأقصوصة الثانية التى لم تعطها عنوانا , وسأسميها ( مجون الجسد العارى ) , تدور حول ماء الإغتسال .. والإغتسال هو أحد الطقوس الحميمة للأنثى والموروث الشعبى يدخر ثروة  من الحكايات وأغانى الفولكلور التى تجعل من الحمام أيقونة من أيقونات عالم الأنثى الزاخر بالإيحاءات . كما يحمل التاريخ فى كل العصور ذكرى للحمامات فى مخادع الحريم والتى كثيرا ماصارت مسرحا للمؤامرات والحيل التى تضع نهايات مأساوية لقصص العشق . وتمثل الوسادة محور الأقصوصة الثالثة بعنوان ( وسادتى بيضاء ). والعنوان فى الأقصوصة جزء من السياق لأنه يصنع التضاد مع وسادة الأم التى أصبح لونها مصفرا من أثر البكاء , أما الأقصوصة الرابعة والأخيرة فهى حوار شفيف مابين القرط الذهبى وجيد الحسناء المعلق بأذنها .
سنتناول فى الفقرة التالية أولى الأقاصيص ( أفق بلا حدود ) بقراءة تحليلية نتلمس فيها تكنيك غادة فى انتاج القصة القصيرة جدا , وهو تكنيك نلاحظ أنه يتكرر فى غالب أعمالها .
والملاحظ أن غادة تدرك جيدا حدود وامكانيات القالب القصصى الذى تتعامل معه , فلا تتجاوزها ولو بقيد أنملة , فى الوقت الذى تفجر فيه الطاقات الإبداعية للقالب الى حدوده القصوى محدثة الأثر الإنفعالى المطلوب بلا زيادة ولا نقصان .
والقصة لا تتجاوز مائة وعشر كلمات رغم كونها أكبر قصص المجموعة , لكنها على قصرها تحمل شحنة موقوتة من المشاعر المتفجرة .
تبدأ الأقصوصة بجملة محورية .. ( ألبسنى رداءه ) فى إشارة الى مايمكن اعتبارة الحبيب المهيمن  .. ثم تبدأ فى الإرتحال فى موجات متتابعة فى الزمان والمكان مستخدمة مجموعة من الأفعال فى جدلية مابين الفعل  ( الماضى ) ..ورد الفعل ( المضارع غالبا ) كما يلى :
الفعل :  حملنى  /  جذبنى  /  طاف بى  /  غاص بى . وهى مجموعة أفعال تمهيدية تتصف كلها بمحدودية مجال الحركة .
رد الفعل :    إقتربت ألتقط إحدى اللآلىء . المضارع يوحى بالمقاومة . والجملة عموما بانصراف الذهن عن مجال الحركة .
ثم تعود دورة أخرى من الفعل وردة الفعل .
الفعل :  سبح بى  / سافر الى ..    الأفعال هنا تتميز باتساع مجال الحركة فى المكان فى تصعيد واضح للصراع .
رد الفعل :  هفا قلبى الى غدير بلادى . الفعل هفا يؤكد انصراف الذهن عن البلاد الغريبة والتشبث بالموطن رغم غرابة المغريات .
ثم تأتى دورة ثالثة وأخيرة من الأفعال وردود الفعل تؤكد تصميم الشخصية على التمسك بعالمها الخاص .
الفعل :  حملنى  / رمى بى   .  عودة الى الفعل الأول ( حملنى ) .. ثم للمرة الأولى فعل يتضمن المفارقة المادية ( رمى بى ) .
رد الفعل : تدور رأسى  / أتهاوى  /  أتعلق بالحرف .. عودة الى المضارع تأكيدا للمفارقة النفسية , وترسيخا للأزمة .
ثم تأتى الخاتمة :: ( قذفنى بعيدا ) .. وهو فعل يتضمن تأكيدا للمفارقة المادية والنفسية ..( خلع عنى رداءه ) .. عودة لإغلاق الدائرة التى بدأت بألبسنى رداءه .. ( ألقانى فى أفق بلا حدود ) . وهى نهاية متوافقة مع طبيعة الجدل الدائر على مدار عملية القص .. والأفق بلا حدود يفتح باب الدلالة . فقد يكون بل حدود بما يعنى الضياع والتيه .. وقد يحمل معنى تعدد الخيارات  .
فى الفقرة التالية سنتابع القراءة فى محاولة لتطبيق الإطار الذى اتفق عليه النقاد ليحتوى السمات التى تحدد كون العمل الأدبى قصة قصيرة جدا . لنرى مدى توافق الأقصوصة مع هذا الإطار .
1 – اللغة والصياغات التى استخدمتها غادة عيد تراوح وتمازج مابين النثر والشعر .. الصياغة نثرية لكنها مرصعة بالصور الشعرية .. ( حملنى على أعناق الحرف ) .. طاف بى جنبات بحره ) .ز هف قلبى الى غدير بلادى ) .
بالإضافة الى غلبة الطابع الغنائى الفردى على السرد باستخدام جمل قصيرة كثيفة توحى ولا تصرح .ز ( أتعلق بالحرف المائل نحوى ) .
2- الدلالة المنفتحة فالأقصوصة تعرض محنة أنثى مابين الإنتماء والإغتراب بصور تقرب المعنى وتنقل الشعور والإحساس , ولا تسمى مواقف أو تنقل أحداثا , مايفتح أفق التلقى الى العديد من الدلالات الممكنة والمتاحة .
3- الحضور القوى للراوى ( الشخصية المحورية ) بحيث تصبح جميع عناصر ثانوية بما فيها الرداء وصاحبه , ويقتصر دور باقى عناصر العمل على إبراز الإنتقالات الانفعالية للشخصية المحورية .
4- يبقى العنصر الأهم من بين جميع العناصر وهو غلبة وشيوع الجمل الفعلية على الجمل الوصفية , والاعتناء بالحدث على حساب الانفعالات .. وهو العنصر الذى نرى أن غادة قد أخلت به بعض الإخلال الأمر الذى أدى الى بعض الترهل فى النص .
نلاحظ أن النص الذى لا يتجاوز 110 كلمة قد تضمن 22 فعلا بما يقترب من الربع . وهذا ما حقق للنص زخمه وتدافعه فى اتجاه البؤرة , لكن يلاحظ أيضا شيوع الجمل الوصفية التى ماكان للنص أن يختل فى حال عدم وجودها . مثال : ( لآلىء منثورة هنا وهناك , شطوط بعيدة , وأرصفة مهجورة ) أيضا .. ( فيلة تتهادى تغمرنى بالفرحة ) . أيضا ..( عبث ومجون , حب وجنون , حرية بلا قيد ) .. نرى أن تكرار الجمل الوصفية أضعف التيار المتدفق للقص .. وأضاف عبئا بدلا من أن ينمى التصاعد فى اتجاه النهاية , فى الوقت الذى لم تضف الجمل المشار اليها أى قيمة للنص حيث أنه متضمنه فى السياق .
فى النهاية أرى أن لغادة إسهاما لا يمكن إغفاله فى مضمار هذا الفن الذى فرض نفسه على الساحة الأدبية فى مصر والعالم .. والذى صنع آلياته وجمالياته . وربما تصبح غاده عيد - مع بعض العناية بالصياغات من الناحية اللغوية – من رائدات هذا الفن الرفيع , فن القصة القصيرة جدا .
                                                   محسن الطوخى
                                                  19 / 6 / 2012

*********************************************


قصص قصيرة جدا 
بقلم : غادة عيد
......................................
(1)

أفق بلا حدود .
........................


ألبسنى ردائه حملنى على أعناق الحرف المضطرب كموج البحر الثائر,جذبنى نحو الأعماق ,طاف بى جنبات بحره الواسع,لآلئ منثوره هنا وهناك,شطوط بعيده , وأرصفة مهجوره,غاص بى نحو الأعماق ,أقتربت التقط إحدى اللآلئ سبح بى بعيدا ,سافر الى بلاد غريبة ,موطن جديد لم تطأه قدماى , هفى قلبى الى غدير بلادى,حملنى بحكاياه الطويله الى بلاد الهند ,فيله تتهادى تغمرنى الفرحه,رمى بى الى أقاصى النوبه,حملتنى الكلمات الى نهر النيل,عبثا حاولت الوصول الى مركبى,قذفتنى الامواج نحو الهادى بسفنه العملاقه ,الى بلاد السفور,عبث ومجون , حب وجنون,حريه بلا قيد ,تدور راسى أتهاوى أتعلق بالحرف المائل نحوى,قذفنى بعيدا, خلع عنى ردائه, ألقانى فى أفق بلا حدود .


(2)



مجون الجسد العارى .
................................

سلمت الجسد المنهك لذرات الماء الكثيف التى تنهدل على رأسها ,تمنت أن تغتسل من ذنوبها, تتساقط مع حبات الماء المنسابه ,نظرت اليه فى ذهول وكأنها ترتمى بين أحضانه طالبته أن يزداد أنهمارة فوق كتفيها العاريتين, أن يحمل ما بهما من مجون ,أن يعرى ما بهما من آثام ,أن ينتفض كجمر النار ليحرق شوقها العارم الى عبثه ,الى خمره, الى سكون جسده المتقد ,ضن عليها, توسلت اليه أن ينهمر , أنسحب من بين أصابعها رويدا وتركها تغوص فى مجون الجسد العارى .


(3)



وسادتى بيضاء
........................

أشتهى لونها الابيض , تشتاق عيونى لتراه لترتاح عليها ,من عناء يوم طويل, تجذبنى اليها كمغناطيس ,لا تترك لى الاختيار بل تجبرنى على الولوج اليها, والاستمتاع بنعومتها وسحرها الفتان,ترمينى بسكرات النعاس ,فتحملنى على بساطها المسحور الى عالم الأحلام,تحكى لى عما فاتنى من روايات جدتى,وأحلام أخوتى الصغار , ودموع امى فى ليالى الشتاء الطويل, وكيف أصبح لونها مصفرا من أثر بكائها , وهجران أبى لمخدعه بعد حوار المال المرير, تضحكنى أحيانا وتؤلمنى كثيرا, تعدنى بنوم هادئ , وتؤرقنى الليل كله, تتلون بالوان فرحى , ودموع حزنى بنشوتى وندمى بصفائى وعتمتى


(4)


قرط ذهبى .
..................

قرط ذهبى,يتدلى فى أذنها فيزيد أشراقة وجهها ,وهجا يعكس براءة الطفل بداخلها, يشتكى من حركتها الدئوبه, والتفات رأسها يمينا ويسارا ,ينشد الراحة على خديها وفوق رقبتها المرمر دون أهتزاز ,يرهقه كثرة النظر اليه,فينحنى مختفيا بين خصلات شعرها ,تداعبه نسمات الهواء يتطاير فيبتسم معلنا عن بريق يأخذ اللب ,ثم يعود يسترق النظرات بين خصلاتها السوداء تفتش عنة بأبهامها ,يضوى مع أنعكاس قرص الشمس ,تتلاقى العيون فيخفت شعاعه خشية أن يلامسه أبهام الأخر .
,

                                                                                                          غادة عيد

ليست هناك تعليقات: