الجمعة، 10 يونيو 2011


أصيل ( 6 - ؟ ) .. خالد يوسف

............................
                          
                      
      تنتابك الحيرة وأنت تعالج بعض الشخصيات , اذ تكون بطبيعتها عصية على التصنيف . وتتميز تلك الشخصيات بالثراء , لكنه ثراء الغابات الاستوائية , حيث التنوع الحيوى المذهل , وحيث العشوائية هى أداة الطبيعة لتحقيق النظام . ومن تلك الشخصيات النادرة .. خالد يوسف . فأنت لا تستطيع أن تحسبه على الشعراء رغم أنه ينظم الشعر . وهو ناقد جيد , كان بامكانه امتلاك ناصية النقد فى الأسكندرية بغض النظر عن التخصص , ولكنه لن يعترف لك بأنه ناقد . وهو مترجم , يحدثك عن ترجماته فيشوقك , لكنك لن ترى منها الا نتفا ( لا تبل ريق ) . وهو أفضل ناحت للمصطلحات , ولو أنى قمت بتسجيل ما نحته فى ندوات أصيل خلال سنوات من جمل وعبارات ومفردات , لكنت صنفت له معجما خاصا .
      كما أنه محلل لا يشق له غبار , ولكنك سوف تتردد طويلا قبل أن تتبنى تحليلاته . وهو - بعد – أحد المؤسسين لأصيل , لا يمكنك أن تمارى فى ذلك , لكنك لن تعثر على نشاط واحد يحمل بصمة خالد يوسف . وخير ما يقرب الى الأذهان علاقة خالد يوسف بأصيل هو أنها أشبه ما تكون بزواج المسيار .
      فأنت تعثر على خالد دائما فى سجل اجتماعات المؤسسين , لكنك ستراه قليلا فى ندوات القراءة والورشة . وهو أحد المشاركين بفعالية فى صياغة دستور أصيل ونهجها وخططها , لكنه لن يتولى عملا تنفيذيا . وفى اجتماعات التحضير لمجلة أصيل التى استغرقت أكثر من عشرين جلسة أسبوعية , سيكون واحدا من أفضل من طرحوا الأفكار . لكنه مثل الجميع , لم يناضل لاخراجها الى النور . ولمشروع مجلة أصيل حديث مستقل سيأتى لاحقا .
      واذا كانت أصيل قد افتقدت عنصرا بشدة فى أى مرحلة من مراحل تواجدها , فقد كان ذلك العنصر هو الناقد المتخصص . كنا جميعا على اختلاف الشرائح العمرية نقادا بالفطرة , بحكم انتمائنا الى الفئة التى أدركتها حُرفة الأدب , وكانت آراءنا تصطبغ بأذواقنا وميولنا الفنية اذ نمارس نقد الأعمال المطروحة للنقاش , فكان الشوق الى ناقد متخصص يمثل عاملا مشتركا فى معظم مناقشاتنا خلال اجتماعات المؤسسين .
      نجحنا فى أحايين كثيرة فى الاستعانة بأساتذة النقد الأدبى فى جامعة الأسكندرية . كالدكتور أبو الحسن سلام , والدكتور السعيد الورقى , ونجحنا فى مايشبه استقطاب الدكتور أحمد صبره ليكون أحد النقاد الدائمين , لكنه بعد ندوتين ناجحتين , سافر فى اعارة الى خارج البلاد , ففقدناه قبل أن نكسبه . فلجأنا كنمط دائم الى الاستعانة بالنقاد السكندريين الهواه , وكانوا فريقا من المجتهدين الذين لا يمكن انكار ماأضافوه سواء لأصيل أو بجهودهم فى مختلف محافل الثغر الأدبية بقصور الثقافة , أمثال الرائع رجب سعد السيد , والمجتهد كمال عماره , والشاعر محمود عبد الصمد , وآخرين .
      وبمقدار ماانشغلت أصيل بالعمل على توفير ناقد , بمقدار مانصبت شراكها وأعملت الحيلة فى سبيل اقتناص خالد يوسف فى دائرة النقد . وكان هناك فريق من أصيل كنت واحدا منه يرى فى خالد ناقدا بارعا , ومحللا أصيلا , وناحتا للمعانى , يملك القدرة على التوصيل والاقناع , يتمتع ( بلطشة ) مما يسمونه بالكاريزما وما نعرفه بالحضور . الا أنى أشهد أن خالد آنذاك والزئبق كانا من فصيل واحد . فهو لم يرفض , ولم يتوانى قط . بينما لم يحمل أبدا على عاتقه مسئولية الناقد المعتمد للجماعة . ولو أنى زعمت أن خالد يوسف لم يكن ركنا من أركان الجماعة والندوة , فانى أكون حينها متجاوزا للحقيقة , مفتئتا على واقع لا يمكن انكاره .

ليست هناك تعليقات: