سوسن
قصة قصيرة
محسن الطوخى .................
كل ماقيل عن سوسن لم ينجح إلا فى دفعه إلى اعتراض سبيلها . حتى عنما ترك دراسة الطب وتحول إلى دراسة الآداب , أقنع نفسه بأن ذلك لم يكن بسبب سوسن , إنما لنفوره من مشهد الدم . ولما لمحها بردائها البسيط , وجدائل شعرها الفاحم فى أروقة الكلية , ظن أن الحصول عليها بات وشيكا . لكن التردد الجم خطواته . ليس فقط بسبب ما أشيع عنها , لكن لأنه بطبيعته كان ميالا للعزلة , عزوفا عن فتح قلبه للآخرين . فى اللقاء الأول , سقط فى عينين ليس لهما قرار . إبتسمت له ابتسامة , قدر أنها ليست ابتسامة عابرة . وعندما تناول يدها الصغيرة الماهرة , همست أناملها أنه سوف تجمعهما قصة من عدة فصول . إستردت يدها بلطف , فكأنما علق بيده شيء من ملمسها . حين استدارت ومضت , قالت هيئتها : أنا فتاة خطرة .. لا تقترب . ................ لن تتخيل أبدا العوالم التى سوف تلجها , والناس الذين ستقابلهم مع سوسن . سوف تستدرجك بنعومة لترى مالم تكن تتوقعه . وعندما تحتويك , ويتسلل عبير شعرها الطازج إلى حواسك , ستفسر نظرات الناس التى طالما حرت فيها , وستدرك كل الأشياء المبهمة التى حلقت حولك فى أزمان سابقة . وكأن ألف عين تنبت لك , وألف أنف . وعندما تنال القبلة الأولى , لن تهنأ بالعيش بعدها , حيث أنك لن تستطيع أن تبتعد ولن تستطيع أن تقترب أكثر . ستحافظ بالكاد على مسافة الالتصاق . ................. - هل التقينا من قبل ؟ كانت هى بصوتها العذب التى ألقت السؤال . ما برحت تلح على خياله منذ تفرقت بهما السبل . تحركا بعفوية بعيدا عن تيار الحركة بالميدان الصاخب . لابد أن عينيه لمعتا ببريق الشغف وهو يقول : أنت سوسن . لم يعد هناك مجال للتردد الذى أقصاه عنها طوال زمن الدراسة . كانت الابتسامة المشجعة تملأ صفحة وجهها . ............... فى كل مساء كانت سوسن تصحبه إلى عالمها , ومعارفها الكثيرين . بدا عالم غير حقيقى , كتلك العوالم التى تقبع فى بطون الكتب . لمح فى زاويتى عينيها اعجابا , ماكانت لتسمح بأن يبدو صريحا . وشيئا فشيئا فقد الزمن خواصه . تداخلت الأزمنة التى لم يكن فيها لسوسن وجود بتلك التى عرفها فيها . ثم تعلم كيف يغار على سوسن , وكيف يشتبك فى عراك , ويلهث فى سبيل الفوز ببريق الإعجاب . ثم بدأت الأشياء تبدو كما لو كانت تتجلى للمرة الأولى . وعندما قدر أن أعمارا كثيرة مثل عمره لن تكون كافية لالقاء النظرة الأولى على كل تلك الأشياء المتجددة , بدأ يفكر فى سوسن بأسى , اذ لن يكون من السهل - بعد - أن يكون لصيقا بها , فسوسن لن تمنحك الفرصة أبدا لأن تنظر بعيدا . لم تكن لحسن الحظ من أولئك النساء اللائى يفْرِطْن فى التمسك بحب قضى . وكانت على درجة من الفهم بحيث لم يكن من السهل جرح مشاعرها . قيل أنها دائما ماكانت تجد السلوى فى حب جديد . بل قيل أيضا أن الرغبة التى تدفع الرجال لهجرها , ماهى فى الحقيقة الا رغبة سوسن نفسها .
سوسن
قصة قصيرة
محسن الطوخى
.................
كل ماقيل عن سوسن لم ينجح إلا فى دفعه إلى اعتراض سبيلها . حتى عنما ترك دراسة الطب وتحول إلى دراسة الآداب , أقنع نفسه بأن ذلك لم يكن بسبب سوسن , إنما لنفوره من مشهد الدم . ولما لمحها بردائها البسيط , وجدائل شعرها الفاحم فى أروقة الكلية , ظن أن الحصول عليها بات وشيكا . لكن التردد الجم خطواته . ليس فقط بسبب ما أشيع عنها , لكن لأنه بطبيعته كان ميالا للعزلة , عزوفا عن فتح قلبه للآخرين .
فى اللقاء الأول , سقط فى عينين ليس لهما قرار . إبتسمت له ابتسامة , قدر أنها ليست ابتسامة عابرة . وعندما تناول يدها الصغيرة الماهرة , همست أناملها أنه سوف تجمعهما قصة من عدة فصول . إستردت يدها بلطف , فكأنما علق بيده شيء من ملمسها . حين استدارت ومضت , قالت هيئتها : أنا فتاة خطرة .. لا تقترب .
................
لن تتخيل أبدا العوالم التى سوف تلجها , والناس الذين ستقابلهم مع سوسن . سوف تستدرجك بنعومة لترى مالم تكن تتوقعه . وعندما تحتويك , ويتسلل عبير شعرها الطازج إلى حواسك , ستفسر نظرات الناس التى طالما حرت فيها , وستدرك كل الأشياء المبهمة التى حلقت حولك فى أزمان سابقة . وكأن ألف عين تنبت لك , وألف أنف . وعندما تنال القبلة الأولى , لن تهنأ بالعيش بعدها , حيث أنك لن تستطيع أن تبتعد ولن تستطيع أن تقترب أكثر . ستحافظ بالكاد على مسافة الالتصاق .
.................
- هل التقينا من قبل ؟
كانت هى بصوتها العذب التى ألقت السؤال .
ما برحت تلح على خياله منذ تفرقت بهما السبل . تحركا بعفوية بعيدا عن تيار الحركة بالميدان الصاخب . لابد أن عينيه لمعتا ببريق الشغف وهو يقول : أنت سوسن .
لم يعد هناك مجال للتردد الذى أقصاه عنها طوال زمن الدراسة . كانت الابتسامة المشجعة تملأ صفحة وجهها .
...............
فى كل مساء كانت سوسن تصحبه إلى عالمها , ومعارفها الكثيرين . بدا عالم غير حقيقى , كتلك العوالم التى تقبع فى بطون الكتب . لمح فى زاويتى عينيها اعجابا , ماكانت لتسمح بأن يبدو صريحا . وشيئا فشيئا فقد الزمن خواصه . تداخلت الأزمنة التى لم يكن فيها لسوسن وجود بتلك التى عرفها فيها . ثم تعلم كيف يغار على سوسن , وكيف يشتبك فى عراك , ويلهث فى سبيل الفوز ببريق الإعجاب . ثم بدأت الأشياء تبدو كما لو كانت تتجلى للمرة الأولى . وعندما قدر أن أعمارا كثيرة مثل عمره لن تكون كافية لالقاء النظرة الأولى على كل تلك الأشياء المتجددة , بدأ يفكر فى سوسن بأسى , اذ لن يكون من السهل - بعد - أن يكون لصيقا بها , فسوسن لن تمنحك الفرصة أبدا لأن تنظر بعيدا .
لم تكن لحسن الحظ من أولئك النساء اللائى يفْرِطْن فى التمسك بحب قضى . وكانت على درجة من الفهم بحيث لم يكن من السهل جرح مشاعرها .
قيل أنها دائما ماكانت تجد السلوى فى حب جديد . بل قيل أيضا أن الرغبة التى تدفع الرجال لهجرها , ماهى فى الحقيقة الا رغبة سوسن نفسها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق