الخميس، 19 مايو 2011

قال لى صديقى:                                    
ملم بالتاريخ والجغرافيا , قارىء للأدب وتاريخ الشعوب ,أعرف تاريخ الأديان ومعتقدات الشعوب , أفهم فى الفلك والفيزياء والأنثربولوجى , أتذوق الفنون والموسيقى , ملم بالنسبية والتحليل النفسى ونظرية التطور , أدرك مساهمات فلاسفة ومفكرى عصر النهضة والتنوير , وأدرك تفاصيل الثورات الكبرى فى التاريخ المعاصر , أدرك ويلات الحروب الكبرى على مر التاريخ , ألممت بأسباب قيام وانهيار الحضارات . 
ولا أفهم ما يجرى فى مصر . ولا أبصر مواقع أقدامى . وليس أمامى طريق واضح للخروج من الأزمة . هل نقلتنا ثورة 25 يناير الى حال أفضل , أم الى الأسوأ . هل نحن شعب جدير بأن يتولى أمر نفسه , أم نحن همج لا يصلح حالنا الا بحكومات غاشمة تدير أمورنا بالأساليب القمعية . 
فاذا كان هذا هو حالى , فما بال البسطاء الذين لا يدركون من أمور العالم الا وسائل جلب الرزق يوما بيوم لتوفير الحاجات الأساسية ؟
قلت لصديقى :
أنا مثلك تقلقنى الفوضى الضاربة أطنابها فى الشارع المصرى .وأكاد أحن الى الأمن المصنوع على شفا توازنات تمسك بخيوطها سلطة فاسدة .. لكنى أعى ابعاد الفترة المفصلية التى تعبرها مصر . مصر التى أهدرت العديد من الفرص المماثلة . وشأن الفترات المفصلية فى عمر الشعوب أنها عصية بطبيعتها على أن يحتويها فهم أو ادراك محيط . اذ هى تنقل الأمم عبر نقلات نوعية لا تخضع للحسابات والتحليلات . انها ليست كانصهار العناصر فى بوتقة , يمكن حساب نواتج تفاعلها , فالشعوب والجماعات البشرية أبعد ماتكون عن صفات العناصر المادية الجامدة . 
وأنا على استعداد لقبول المخاطرة . لا أخشى الكتل المتطاحنة فى الشارع المصرى . تيارات اسلامية فيما بينها من جانب , وفيما بينها متحالفة اذاء التيار  العلمانى . رأسمالية متوحشة مع طبقة عمالية مطحونة تتطلع الى حقوقها المهضومة فيما يسمى افتئاتا  بالمطالب الفئوية , سلطة تأمل فى بقاء الوضع كما هو عليه مع بعض الاصلاحات , مقابل برجوازية متطلعة الى تأصيل دولة القانون . شعب مسلم وشعب مسيحى يتبادلان كراهية أصيلة ذات جذور وتاريخ يغذيها كل طرف بتعصب أحمق جاهل .
لا ضير فى أن ينصهر المجتمع المصرى فى صراع حقيقى هذا أوانه . لست مستعدا لقبول فكرة بناء الدولة على الأكاذيب مجددا . والخاسر الوحيد هو من سيبقى متفرجا من خارج الأحداث . فعدم المشاركة يعنى البقاء خارج المعادلة . دعنا ننصهر لنخرج كما طائر الفينيق مجلوا متطهرا بالجحيم . ولا تخشى على مصر , فهى أمة ضاربة بجذورها فى عمق التاريخ . وتملك من عناصر البقاء مالا تملكه أى أمة مرت بتجارب مماثلة .
                                                                   محسن الطوخى

ليست هناك تعليقات: